للعائلات فقط... عبارة تلاحقك أينما ذهبت إن كنت من سكان الرياض، هذه المدينة الضخمة التي تعج بالمراكز الترفيهية والتسوقية التي تضاهي أرقى المراكز في العالم، عبارة ترحب بك بداية من مواقف السيارات مروراً بالبوابة وحتى شفهياً من حارس الأمن، بل يتعدى الأمر ليكون في بعض الأماكن للنساء فقط ويحرم رب الأسرة من الاستمتاع مع أفراد أسرته. المتمعن في تلك العبارة يرى أنها تعكس لنا التهميش العلني لفئة الشباب التي تمثل أكبر فئة في المجتمع، بل إنها تؤول على أنها عدم ثقة بأخلاق الشباب أو برب الأسرة إذا أتى إلى هذه الأماكن دون عائلته، عبارة ولدت لدى الكثير من الناس إحساس النبذ من قبل مجتمعهم وأنهم خطر أخلاقي يحيط بالمجتمع ماداموا دون عائلاتهم، تلك العائلات التي من المفترض أنها ربت أفرادها التربية الإسلامية والأخلاق السامية. يعلل الكثيرون هذا التهميش أو الحصر للعائلات أو "للنساء فقط" بأنه سد للذريعة، ذريعة الفتنة ويلبسون الموضوع حلة دينية لتقوية الحجة ومنع الحديث في هذا الموضوع. إننا الوحيدون بين دول الخليج، بل الدول الإسلامية الذين نبالغ في استخدام هذا الباب "سد الذرائع" بل وللأسف صيرناه باباً لسد الشرائع، حين أقحمنا هذا الباب في المراكز التجارية ومنعنا الكثيرين من أفراد المجتمع من الاستمتاع بما أحله الله. إن الزائر لمدينة الرياض لينبهر بالتقدم العمراني والاقتصادي المهول والاتساع السكاني ينبهر بهذه المدينة التي تعد من أكبر العواصم العربية بل العالمية، ولكن يندهش عندما يمنع من الدخول إلى مرافقها سداً للذريعة ودرءاً للفتنة لأنه دون عائلته، وكأننا نعكس لزوارنا رسالة مفادها أن لا تأتوا من دون عائلاتكم كي تتمتعوا في هذه المدينة الكبيرة. إننا لا نقدر خطورة نتائج هذه الظاهرة، فنحن نهمش فئة كبيرة من المجتمع ونرسخ لديهم الإحساس بأنهم ماداموا في هذه السن أو دون عائلاتهم فهم فتنة، ولا يحق لهم الاستمتاع وحدهم، بل إننا نرسخ فيهم إحساس النبذ وعدم الانتماء وبمرور الوقت يتحول هذا الإحساس إلى عدم ارتياح لهذا المجتمع الذي من المفترض أن يكون هو لبنته الأساسية وعماد مستقبله، إن هذه الظاهرة تولد تساؤلات كثيرة لدى الكثيرين ممن يسافرون إلى الدول المجاورة، ويلاحظ أنه يستطيع الدخول والخروج في كل مكان دون قيود سواء كان وحده أو مع عائلته، يستمتع بكل ما هو متاح له دون أن يحسسه الغير بأنه محل فتنة أو بأن أخلاقه محط تساؤلات الغير. إنه ليتساءل أين الخطأ وأين الصواب؟ أين الخلل؟ وما الفرق بيننا وبين هذه المجتمعات. لم يا ترى الفتنة يخاف منها في مجتمعنا فقط، بينما المجتمعات تعيش في تناغم واحترام دون أن يتطرقوا إلى هذا الموضوع. إننا بهذا التهميش نجعل الكثيرين تائهين بين الإفراط والتفريط، وإفراط في فهم الدين وتطبيقه عملياً في الحياة، وتفريط بسبب الضغط والمنع والمبالغة في سد الذرائع متناسين القاعدة القائلة بأن المبالغة في سد الذرائع هي كالمبالغة في فتحها.